top of page

لمشاهدة المزيد من دراسات الكتاب المقدس باللغة العربية ، انقر هنا.

36. The Denial of Peter

36. بطرس ينكر المسيح ثلاث مرَّات

بطرس ينكر المسيح ثلاث مرَّات

يوحنا 15:18-27

سؤال للمناقشة: من هو الشخص الذي كنت تتخذه مثالاً لك بينما كنت تكبر؟ ما هي الصفات التي جذبتك في فيه؟

 

ساورتني أسئلة كبيرة خلال سني المراهقة كما يحدث لكثيرين. وكان ذلك الوقت فرصة لإكتشاف نفسي. وكانت تلك الأسئلة مشابهة للأسئلة التي كان يسألها زملائي في بلدتي، لكن بدا وكأنَّه لم يحصل أيّ أحد منهم على إجابات. وكانت تلك الأسئلة تدور حول الحياة. من أكون؟ إلى أين أنا ذاهب؟ ما الذي يحصل على كوكب الأرض؟ ما الهدف من وجودي؟ هل يوجد إله، وإن كان موجودًا فما الذي يقوم به؟ ولماذا يسمح بحدوث الأمور السيئة؟

 

وكرَّست جهودي لإيجاد إجابات عن أسئلتي الروحيَّة. وكنت ميسورًا من الناحية الماديَّة ومن ناحية الوقت. فعملي مع والدي في تجارة السمك أمنَّ لي مدخولاً وفيرًا نسبة ليناعة سنِّي. وكان والدي يسمح لي بالسفر إلى أنحاء العالم لعدَّة أشهر بشرط أن أؤمِّن بديلاً عنِّي في العمل. وسافرت إلى خمس قارات مفتِّشًا عن "معنى للحياة" وعن "ذاتي".

 

أنتج هذا التفتيش تسليمًا كاملاً ليسوع المسيح. وبعد أن إكتشفت الحق في شخص المسيح، شعرت أنَّ رحلة تفتيشي إنتهت. وإذ أنظر إلى الماضي اليوم، ألاحظ أنَّ ذلك الإكتشاف كان مجرَّد البداية. فمنذ تلك اللحظة، وجدت نفسي مندفعًا للبحث لكي أتعرَّف أكثر على المسيح، ولاحظت أنَّه خلال مسيرتي تلك تغيَّرت قيمي وعاداتي تدريجيًّا. وبعد بضع سنوات، شعرت بدعوة الله لي كي أترك عملي في تجارة الأسماك مع والدي إذ تكلَّم معي من خلال النص التالي:

 

"وَإِذْ كَانَ يَسُوعُ مَاشِيًا عِنْدَ بَحْرِ الْجَلِيلِ أَبْصَرَ أَخَوَيْنِ: سِمْعَانَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ بُطْرُسُ، وَأَنْدَرَاوُسَ أَخَاهُ يُلْقِيَانِ شَبَكَةً فِي الْبَحْرِ، فَإِنَّهُمَا كَانَا صَيَّادَيْنِ.فَقَالَ لَهُمَا: «هَلُمَّ وَرَائِي فَأَجْعَلُكُمَا صَيَّادَيِ النَّاسِ».فَلِلْوَقْتِ تَرَكَا الشِّبَاكَ وَتَبِعَاهُ." (متى 18:4-20)

 

لو سألتك ما تعني كلمات يسوع، ربَّما أجبت أنَّه دعا سمعان وإندراوس الصيَّادين ليصطادا الناس بدلاً من إصطياد السمك. وهذه إجابة صائبة، لكن تشير كلمة "أجعلكما" في هذه العبارة إلى ما يقوم به يسوع في حياة كلّ من يتبعه. لقد طلب من الصيَّادَين أن يتبعاه فيعمل في حياتهما خلال عمليَّة إتِّباعهما له فيجعلهما صيَّادي ناس.

وأريد أن ألقي نظرة على هذه الكلمة وما تعنيه لنا نحن أتباع يسوع.

 

عملية التغيير

 

إذا طرحت عليك السؤال التالي: ما الذي تقوم به في مكان عملك؟ إن كنت رسَّامًا تقول إنَّك ترسم اللوحات، وإن كنت خبَّازًا تقول إنَّك تحضِّر الخبز. وجميعنا نقوم بعمل معيِّن في حياتنا. وأنا أعمل في مجال الوعظ والكتابة بأمل أن أكون أداة في يد الربّ لتلمذة كثيرين. وما يقوم به المسيح هو تغيير وتقوية تلاميذه. والتلاميذ عادة هم أشخاص تابعون ويسعون للتعلّم، كما أنَّهم تركوا حياتهم القديمة ليتبعوا المسيح ويعيشوا حياتهم في خضوع له ولأهداف مملكته.

دعونا نلقي نظرة إلى نصٍّ آخر يساعدنا على فهم ما يعمل الله في حياتنا:

 

"لأَنَّ الَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ لِيَكُونُوا مُشَابِهِينَ صُورَةَ ابْنِهِ، لِيَكُونَ هُوَ بِكْرًا بَيْنَ إِخْوَةٍ كَثِيرِينَ." (رومية 29:8).

 

إن كان هدف الحياة هو لقاء المسيح، فلماذا لا يأخذنا إليه في اللحظة التي نتعرَّف فيها عليه؟ فهل من هدف أسمى في الحياة من أن نلتقي بالمسيح؟

 

لقد وجدت أمرًا آخر في مسيرتي مع المسيح خلال الستَّ والثلاثين سنة المنصرمة. فالله يستخدم ما يبقى من سني حياتنا ليغيِّرنا من الداخل فنشبهه. ويتكلَّم بولس عن هذه العمليَّة التي تبدأ ببطء وتتسارع مع مرور الزمن بينما نستمر في حياة الطاعة لروح الله. "ونحن جميعا ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف، كما في مرآة، نتغير إلى تلك الصورة عينها، من مجد إلى مجد، كما من الرب الروح."(2كورنثوس 18:3). وتشير كلمة "نتغيَّر" المذكورة في اللغة اليونانية إلى "تغيير في المكان والحالة والشكل، وإلى تغيير جذري. وهي تُستخدم في حال التغيير الروحي، وهي عمليَّة غير مرئية تحدث في حياة المؤمنين. ويحدث هذا التغيير خلال حياتنا على الأرض." . ويتكلَّم الرسول يوحنا أيضًا عن هذا التغيير الذي يعمل عليه الله في حياتنا: "أيها الأحباء، الآن نحن أولاد الله، ولم يظهر بعد ماذا سنكون. ولكن نعلم أنه إذا أظهر نكون مثله، لأننا سنراه كما هو." (1يوحنا 2:3). وكتب ج.ر. ميلر:"إنَّ الأمر الوحيد الذي يعود من القبر مع النائحين هو شخصيَّة الذي مات. فشخصيَّة الإنسان تبقى إلى ما بعد وفاته، ولا يُمكن دفنها." . أمَّا هنري وارد بيتشر فوصف الأمر على الشكل التالي:"السعادة ليست هدف الحياة، بل الشخصيَّة هي هدف الحياة." وحين نؤمن بالمسيح يبدأ الله بالعمل في حياتنا ليجعل منَّا أناسًا ذوي شخصيَّات مميَّزة. وتُقاس شخصيَّاتنا بردَّات فعلنا تُجاه تجارب الحياة وصعوباتها. وكتب توماس تشالمرز عن الشخصيَّة التالي:"إنَّ الشخصيَّة التي نأخذها معنا إلى القبر هي الشخصيَّة نفسها التي سنظهر فيها في يوم القيامة."

 

لقد درَّبت وساعدت الكثير من القادة خلال عملي في حقل الخدمة. وكلَّما كبرت الكنيسة، كلَّما إزدادت الحاجة لوجود قادة مدرَّبين ومهيئين. وغالبًا لا يعتبر البعض أنَّهم يتحلّون بروح القيادة ولذلك يتفاجأون عندما أطلب منهم أن يترأسوا مجموعة معيَّنة. وعندما أفتِّش عن قادة، أفتِّش أوَّلاً عن ميزتين يملكونهما هما محبة الله ومحبَّة الآخرين، إذ يُمكن تعلّم معظم الميزات القياديَّة الأخرى. وأريد أن أرى في هؤلاء الأشخاص روح المغامرة وإنفتاحًا للعالم. لكن، الأسئلة التي تطالعنا الآن هي: كيف يجعل الله منَّا رجالاً ونساءً له، وكيف يُمكن أن نتعاون معه؟ وكيف يُشكِّل الله إرادة الإنسان ويهيئه للأبدَّية؟ يساعدنا النص المذكور في إنجيل يوحنا الذي يتكلَّم عن بطرس على معرفة كيف يعمل الله.

 

عندما دعا المسيح بطرس كان يعلم أنَّه يملك موهبة القيادة، وأنَّه سيخاطر حيث لا يجرؤ أحد على الذهاب. ويإمكاني تخيّله يخرج من السفينة فور دعوة يسوع له ليمشي على الماء (متى 30:14). وأظهر شجاعة حين قطع أذن ملخس عبد رئيس الكهنة لمنعهم من القبض على يسوع (يوحنا 10:18). وأظهر طاعة للمسيح عندما طلب منه أن يبتعد بسفينته إلى العمق ليصطاد الكثير من السمك. أطاع بالرغم من أنَّه كان واثقًا أنَّ ذلك مستحيل لأنَّهم لم يصطادوا يومًا هذا الكمِّ من السمك خلال النهار في بحر الجليل. وكانوا معتادين أن يصطادوا كمًّا كبيرًا خلال الليل (لوقال 4:5).

 

ما هي الخصائص أو الميزات التي يملكها القائد والتي تجعلك تثق به؟

 

بالرغم من أنَّ بطرس أظهر إيمانًا عظيمًا ولم يرتاب من خوض المخاطر، إلاَّ أنَّ بعضًا من صفاته الأخرى كانت بحاجة لصقلٍ ليصبح الرجل الذي أراده الله ليكون عامود كنيسة العهد الجديد. وكانت تنتظره خطط كبيرة، ولذا كان على الرب أن يعمل في حياته ليصبح جاهزًا للمهمَّة الموضوعة أمامه. أمَّا الخصال التي أعاقته عن النموّ الروحي فكانت كبرياؤه وتعجرفه اللتان ظهرتا في تصرّفه وكلامه المتسرِّعين. ولا بدَّ أن يكون بطرس هو الذي أثار الجدل خلال العشاء الأخير حول من يكون الأعظم بينهم. "وَكَانَتْ بَيْنَهُمْ أَيْضًا مُشَاجَرَةٌ مَنْ مِنْهُمْ يُظَنُّ أَنَّهُ يَكُونُ أَكْبَرَ" (لوقا 24:22). وربَّما حنق بطرس لأنَّ يهوذا حصل على المكان الأقرب على المائدة من يسوع. وبالطبع، لا بدَّ أنَّ يهوذا كان جالسًا بالقرب من يسوع الذي قدَّم له كِسرة من الخبز (يوحنا 26:13). ومن المرجَّح أن يكون يهوذا قد جلس في مكان الشرف على يسار السيِّد. وبعد تلك المشاجرة التي قامت بينهم خلال العشاء الأخير قال يسوع لبطرس أنَّ العدوّ سيهز إيمانه:

 

"وَقَالَ الرَّبُّ: «سِمْعَانُ، سِمْعَانُ، هُوَذَا الشَّيْطَانُ طَلَبَكُمْ لِكَيْ يُغَرْبِلَكُمْ كَالْحِنْطَةِ!
وَلكِنِّي طَلَبْتُ مِنْ أَجْلِكَ لِكَيْ لاَ يَفْنَى إِيمَانُكَ. وَأَنْتَ مَتَى رَجَعْتَ ثَبِّتْ إِخْوَتَكَ».
فَقَالَ لَهُ: «يَا رَبُّ، إِنِّي مُسْتَعِدٌّ أَنْ أَمْضِيَ مَعَكَ حَتَّى إِلَى السِّجْنِ وَإِلَى الْمَوْتِ!».
فَقَالَ: «أَقُولُ لَكَ يَا بُطْرُسُ: لاَ يَصِيحُ الدِّيكُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ تُنْكِرَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ أَنَّكَ تَعْرِفُنِي".(لوقا 31:22-34).

 

يا له من كلام قاسٍ، وهو يُظهر (في اللغة اليونانيَّة الأصليَّة لهذا النص) أنَّ إبليس طلب بإلحاح أن يغربل التلاميذ من الناحية الروحيَّة ويفصل بين الحنطة والقشّ. وقد وضع إبليس بطرس في خانة "القش"، وأراد أن يذريِّه جانبًا كما يحصل للقشّ عادة. ولقد سمح المسيح لإبليس أن يمتحن إيمان بطرس لأنَّه أراد أن يستخدمه.

 

لماذا سمح الربّ بذلك الإمتحان؟ كان من الضروري أن ينكسر بطرس ليصبح بمقدوره تمييز الضعفات في شخصيَّته. وكان ذلك الإمتحان سيُظهر من يكون بطرس حين لا يتواجد أحد من التلاميذ من حوله. قال د.ل. مودي مرَّة:"الشخصيَّة هي كيفيَّة تصرّف الإنسان في الظلام". أيعقل أن يكون هدف الله من تلك الإمتحانات هو إظهار شخصياتنا وصقلها؟ هل يصرف كل هذا المجهود لمجرَّد هذا الهدف؟ وللتأكيد على ذلك نقرأ في الكتاب المقدَّس قصَّة أيوب حيث طلب إبليس الإذن من الله لإمتحان عبده (أيوب 9:1-12). كذلك، نقرأ عن ذلك في تاريخ شعب إسرائيل في العهد القديم: "وَتَتَذَكَّرُ كُلَّ الطَّرِيقِ الَّتِي فِيهَا سَارَ بِكَ الرَّبُّ إِلهُكَ هذِهِ الأَرْبَعِينَ سَنَةً فِي الْقَفْرِ، لِكَيْ يُذِلَّكَ وَيُجَرِّبَكَ لِيَعْرِفَ مَا فِي قَلْبِكَ: أَتَحْفَظُ وَصَايَاهُ أَمْ لاَ؟" (تثنية 2:8)

 

لقد قاد الله شعب إسرائيل في البرِّيَّة لأربعين سنة لكي يذِّلهم ويمتحنهم. دعني أطرح عليك سؤالاً قارئي العزيز: هل يعلم الله ماذا كان في قلوبهم وماذا في قلبك وقلبي أيضًا؟ بالطبع إنَّه يعلم! إذًا هل يقوم بالإمتحان من أجله أم من أجلي؟ إنَّ إله السماء يريدنا أن نرى أنفسنا كما يرانا هو. وحين نعرف وضعنا على حقيقته، نستطيع عندئذٍ أن نتجاوب معه في العمل على قهر طبيعتنا البشريَّة والسير بالقرب منه يدًا بيد. فالله يهيء الإمتحان ليُظهر لي أمرًا معيَّنًا عنِّي لا أراه إلا بعد إجتياز ذلك الإمتحان.

 

هل يمكنك تذكّر حادثة جرت معك وغيَّرت حياتك، وبذلك جرى تغيير أو تحوّل في شخصيتك؟

 

إنَّ التغيير الروحي ليس عملية نقوم بها نحن على الصعيد الشخصي، لكنَّها عمليَّة يقوم بها الله بقوَّة الروح القدس. والخطوة الأولى هي إعلان المسيح لنا، كذلك فإنَّ الله يكشف حال قلوبنا. لنأخذ بطرس الرسول مثلاً، فعندما تنبَّأ المسيح بأنَّ الشيطان طلب أن يغربل التلاميذ أجاب بتسرّعه المعهود قائلاً إنَّه مستعدّ أن يدخل السجن من أجل المسيح أو حتّى أن يموت من أجله. ولم يكن بطرس مدركًا لأخطائه الروحيَّة وضعفاته. ولم يكن مستعدًّا أن يتكلَّم في هذا الأمر. ورفض تصديق كلمات المسيح النبويَّة بتأكيده بكلِّ ثقة أنَّ لديه قوَّة الشخصيَّة الكافية لتساعده على سلوك الطريق بأكمله. كانت لديه ثقة كاملة بنفسه.

إمتحان إيمان بطرس

بعد هذه المقدِّمة، دعونا نقرأ النص من إنجيل يوحنا لنرى كيف يكسر الله إرادة بطرس ويساعده على إدراك الأخطاء في شخصيَّته:

 

"وَكَانَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ وَالتِّلْمِيذُ الآخَرُ يَتْبَعَانِ يَسُوعَ، وَكَانَ ذلِكَ التِّلْمِيذُ مَعْرُوفًا عِنْدَ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ، فَدَخَلَ مَعَ يَسُوعَ إِلَى دَارِ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ.وَأَمَّا بُطْرُسُ فَكَانَ وَاقِفًا عِنْدَ الْبَابِ خَارِجًا. فَخَرَجَ التِّلْمِيذُ الآخَرُ الَّذِي كَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ، وَكَلَّمَ الْبَوَّابَةَ فَأَدْخَلَ بُطْرُسَ.فَقَالَتِ الْجَارِيَةُ الْبَوَّابَةُ لِبُطْرُسَ: «أَلَسْتَ أَنْتَ أَيْضًا مِنْ تَلاَمِيذِ هذَا الإِنْسَانِ؟» قَالَ ذَاكَ: «لَسْتُ أَنَا!».وَكَانَ الْعَبِيدُ وَالْخُدَّامُ وَاقِفِينَ، وَهُمْ قَدْ أَضْرَمُوا جَمْرًا لأَنَّهُ كَانَ بَرْدٌ، وَكَانُوا يَصْطَلُونَ، وَكَانَ بُطْرُسُ وَاقِفًا مَعَهُمْ يَصْطَلِي.فَسَأَلَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ يَسُوعَ عَنْ تَلاَمِيذِهِ وَعَنْ تَعْلِيمِهِ.
 

أَجَابَهُ يَسُوعُ: «أَنَا كَلَّمْتُ الْعَالَمَ عَلاَنِيَةً. أَنَا عَلَّمْتُ كُلَّ حِينٍ فِي الْمَجْمَعِ وَفِي الْهَيْكَلِ حَيْثُ يَجْتَمِعُ الْيَهُودُ دَائِمًا. وَفِي الْخَفَاءِ لَمْ أَتَكَلَّمْ بِشَيْءٍ.لِمَاذَا تَسْأَلُنِي أَنَا؟ اِسْأَلِ الَّذِينَ قَدْ سَمِعُوا مَاذَا كَلَّمْتُهُمْ. هُوَذَا هؤُلاَءِ يَعْرِفُونَ مَاذَا قُلْتُ أَنَا».وَلَمَّا قَالَ هذَا لَطَمَ يَسُوعَ وَاحِدٌ مِنَ الْخُدَّامِ كَانَ وَاقِفًا، قَائِلاً: «أَهكَذَا تُجَاوِبُ رَئِيسَ الْكَهَنَةِ؟»
 

أَجَابَهُ يَسُوعُ: «إِنْ كُنْتُ قَدْ تَكَلَّمْتُ رَدِيًّا فَاشْهَدْ عَلَى الرَّدِيِّ، وَإِنْ حَسَنًا فَلِمَاذَا تَضْرِبُنِي؟»
وَكَانَ حَنَّانُ قَدْ أَرْسَلَهُ مُوثَقًا إِلَى قَيَافَا رَئِيسِ الْكَهَنَةِ.وَسِمْعَانُ بُطْرُسُ كَانَ وَاقِفًا يَصْطَلِي. فَقَالُوا لَهُ: «أَلَسْتَ أَنْتَ أَيْضًا مِنْ تَلاَمِيذِهِ؟» فَأَنْكَرَ ذَاكَ وَقَالَ: «لَسْتُ أَنَا!».قَالَ وَاحِدٌ مِنْ عَبِيدِ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ، وَهُوَ نَسِيبُ الَّذِي قَطَعَ بُطْرُسُ أُذْنَهُ: «أَمَا رَأَيْتُكَ أَنَا مَعَهُ فِي الْبُسْتَانِ؟»فَأَنْكَرَ بُطْرُسُ أَيْضًا. وَلِلْوَقْتِ صَاحَ الدِّيكُ."(يوحنا 15:18-27)

 

لا بدَّ أنَّ الساعة كانت قد قاربت منتصف الليل عندما أُلقي القبض على يسوع في بستان جثسيماني. كُبِّلت يداه وسيق وسط وادي قدرون إلى قصر رئيس الكهنة الكائن في الجهة الجنوبيَّة الغربيَّة للهيكل. وكان ذلك المبنى الكبير الذي إحتوى على باحة كبيرة يضم داري حنانيا وقيافا اللذين أشار إليهما العهد الجديد على كونهما رئيسي الكهنة. وكان منصب رئاسة الكهنة في إسرائيل في ذلك الزمن مساويًا لمنصب ملك الأمَّة. وتبوَّأ حنانيا هذا المنصب من سنة 6م – 15م، وخلفه صهره قيافا حتى سنة 36\37م. وقد نصَّ العهد القديم أنَّ هذا المنصب هو لمدى الحياة (سفر العدد 25:35)، ولذلك تحلَّى حنانيا بالسطلة المطلقة على رأس كهنوت فاسد. وقد تسلَّم صهره قيافا السلطة من قِبَل الحاكم الروماني غراتوس الذي تولى الحكم قبل بيلاطس البنطي.

يخبرنا يوحنا أنَّ يسوع إقتيد أوَّلاً إلى مكان إقامة حنانيا (يوحنا 16:18). وكان بطرس يتبع ما دعاه متى "الجمع الكثير" (متى 47:26). تخيَّل المشهد حيث كان هؤلاء الرجال يشقون طريقهم وسط وادي قدرون على ضوء المصابيح. وكانت المسافة بين بستان جثسيماني وموقعي سكن حنانيا وقيافا لا تتعدَّى الميل الواحد.

 

ماذا تظن كان بطرس يفكِّر بينما كان يلحق بالجمع من بعيد؟

 

لا بدَّ أن كبريائه جُرِحت بعد أن وبَّخه المسيح على قطع أذن عبد رئيس الكهنة. وربَّما كان يتساءل لماذا سمح لهم المسيح بالقبض عليه، وكيف أنَّه قال لتلك الكتيبة المؤلَّفة بما يقارب الستمائة جندي "أنا هو". ولا بدَّ أنَّ بطرس شعر بالحزن الشديد عندما رأى يسوع يُساق إلى بيت رئيس الكهنة، خاصَّة بعد أن كان قد قطع أذن عبد رئيس الكهنة. ولا بدَّ أنَّه خاف من أن يُقتل على يد الجنود. ويخبرنا يوحنا عن تلميذ كان معروفًا لدى رئيس الكهنة وسُمح له بالدخول إلى هناك. وتشير كل الدلائل إلى أنَّ ذلك التلميذ كان يوحنا. وكيف يمكن لرئيس الكهنة وموظفِّيه أن يعرفوا صيَّاد سمك؟ يقول البعض إنَّ ذلك يعود إلى إمتلاك زبدي والد يوحنا عملاً تجاريًا في الأسماك في بحر الجليل وكان لديه خدم عديدون يعملون لديه مع أولاده (راجع مرقس 20:1). ومن الممكن أن يكون زبدي المزوِّد للأسماك المملحة لبيت رئيس الكهنة، وأنَّ يوحنا غالبًا ما كان يأتي بالأسماك إلى أورشليم. ومن الملاحظ أنَّ يوحنا هو الوحيد من بين الإنجيليين الأربعة الذي يذكر إسم عبد رئيس الكهنة "ملخس".

 

"وَكَانَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ وَالتِّلْمِيذُ الآخَرُ يَتْبَعَانِ يَسُوعَ، وَكَانَ ذلِكَ التِّلْمِيذُ مَعْرُوفًا عِنْدَ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ، فَدَخَلَ مَعَ يَسُوعَ إِلَى دَارِ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ.وَأَمَّا بُطْرُسُ فَكَانَ وَاقِفًا عِنْدَ الْبَابِ خَارِجًا. فَخَرَجَ التِّلْمِيذُ الآخَرُ الَّذِي كَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ، وَكَلَّمَ الْبَوَّابَةَ فَأَدْخَلَ بُطْرُسَ.فَقَالَتِ الْجَارِيَةُ الْبَوَّابَةُ لِبُطْرُسَ: «أَلَسْتَ أَنْتَ أَيْضًا مِنْ تَلاَمِيذِ هذَا الإِنْسَانِ؟» قَالَ ذَاكَ: «لَسْتُ أَنَا!».وَكَانَ الْعَبِيدُ وَالْخُدَّامُ وَاقِفِينَ، وَهُمْ قَدْ أَضْرَمُوا جَمْرًا لأَنَّهُ كَانَ بَرْدٌ، وَكَانُوا يَصْطَلُونَ، وَكَانَ بُطْرُسُ وَاقِفًا مَعَهُمْ يَصْطَلِي." (يوحنا 15:18-18).

 

وسُمِح ليوحنا ذلك التلميذ بالدخول إلى دار رئيس الكهنة وطلب إذنًا لبطرس بالدخول إلى هناك أيضًا. ويُمكننا أن نتخيَّل سماع ضربات قلب بطرس بينما كان ينتظر في الخارج. لقد كان مُدركًا إلى أنَّ بعض الجنود وربَّما ملخس العبد الذي قطع له أذنه أيضًا كان قد رآه. فما كان هدف تواجده هناك؟ أعتقد أنَّه كان يحاول أن يتحلَّى بالشجاعة ويبقى بالقرب من سيِّده. ويُقارن يوحنا بين شجاعة الربّ يسوع وخناعة بطرس. ويُظهر شجاعة يسوع أمام حنانيا وفشل بطرس أمام جارية متواضعة. وبعدما سُمِح لبطرس بالدخول، لاحظ كيف أنَّ العدو إستخدم المرأة عند البوابة بطرح سؤال بأسلوب سلبي ممَّا يجعل الأمر أسهل بالإجابة بــــِ :"لست أنا". فمن السهل جدًّا الإنزلاق في تجارب إبليس التي تقود إلى خطايا أعمق وأسوأ فيصبح الإعتراف بالحقيقة أصعب جدًّا.

 

ما الذي جعل بطرس الرسول ينزلق إلى إنكار كونه تلميذًا أمام جارية بسيطة؟ أيجدر أن يكون قد خاف من أن تدعو الفتاة الجنود، ولا مهرب له خاصَّة وإنَّ الأبواب قد أُغلِقت؟ لا يمكننا أن نعرف ما كان يجول في باله في تلك اللحظة. أين كان يوحنا؟ ربَّما كان يستمع إلى إستجواب حنانيا ليسوع. ويخبرنا لوقا أنَّ بطرس جلس بعد أوِّل إنكار له مع مجموعة من الناس كانوا يستدفئون حول النار (لوقا 55:22). ويبدو أنَّ الفتاة لم تصدِّقه عندما أنكر المسيح أوَّل مرَّة وتقدَّمت لكي تحدَّق في وجهه بنور النار المشتعلة.

 

الإنكار الثاني

 

يبدو أنَّ الإنكار الثاني تضمَّن حوارًا أطول إذ يُخبرنا متى قائلاً:

 

"أَمَّا بُطْرُسُ فَكَانَ جَالِسًا خَارِجًا فِي الدَّارِ، فَجَاءَتْ إِلَيْهِ جَارِيَةٌ قَائِلَةً: «وَأَنْتَ كُنْتَ مَعَ يَسُوعَ الْجَلِيلِيِّ!».
فَأَنْكَرَ قُدَّامَ الْجَمِيعِ قَائِلاً: «لَسْتُ أَدْرِي مَا تَقُولِينَ!»" (متى 69:26-70)

 

حين دخل إلى الباحة، لم يكن لديه خيار سوى أن يجتمع مع أعداء الربّ ويستدفىء بنارهم. ويقدِّم يوحنا في النصّ اليوناني الأصلي مواصفات تلك النار. فالنار كانت بسبب جمر مشتعل. ومن اللافت أنَّ إنكار بطرس للمسيح حصل حين كان يستدفىء بالقرب من النار، وكانت عودته للمسيح حول جمر مشتعل على شاطىء بحر الجليل (يوحنا 9:21). وينفرد يوحنا في إنجيله بالملاحظة لتفاصيل كهذا التفصيل. وأنكر بطرس المسيح مرَّة ثانية حول النار. وغالبًا ما تأتينا التجارب بهذا الأسلوب. فعندما نتقدَّم من العدو سنتيمترًا واحدًا يتقدَّم من نحونا مترًا كاملاً، وعندما نتقدَّم منه مترًا، يتقدَّم مترين. ويجب علينا أن نتنبَّه من عدم المساومة للعدو. ولا يشير أيّ من الأمور إلى أنَّ الموجودين كانوا ينوون إلحاق الأذيَّة ببطرس، لكنَّه أنكر المسيح بسبب خوفه.

 

وبينما كل هذا يحصل في الباحة الخارجيَّة، يأخذنا يوحنا إلى مشهد ما يحصل مع حنانيا الذي كان يحاول أن يحصل على معلومات من يسوع يمكنه إستخدامها في جلسة الإستماع أمام قيافا والسنهدريم (السبعين شيخًا) التي كانت ستُقام في الصباح الباكر. وكان ما يدور أمام حنانيا نوع من الوحشيَّة لم يكن مسموحًا أن يحصل في أي جلسة محكمة، إلاَّ أنَّ ذلك لم يردعه ورجاله من الإكمال بالإستجواب. وصُفِع يسوع على وجهه لأنَّهم لم يتمكَّنوا من ترهيبه لتقديم معلومات عن تلاميذه أو تعليمه. وكان حنانيا يفتِّش عن معلومات تُجرِّم يسوع أمام بيلاطس، إلاَّ أنَّ يسوع كان يرفض الإجابة بسبب عدم قانونيَّة طرح الأسئلة وقد أراد أيضًا أن يُظهر براءته مقابل فساد رئيس الكهنة والشيوخ. وعندما رفض يسوع أن يقدِّم لحنانيا أيَّة براهين، أرسله حنانيا عبر الباحة إلى قيافا الذي كان جمع السنهدريم لعقد محكمة غير شرعية (يوحنا 24:18).

 

إنكار بطرس الثالث

 

حصل الإنكار الثالث في اللحظة التي كان يُقاد بها يسوع خارج بيت حنانيا بإتِّجاه بيت قيافا. وكان أن قال واحد من العبيد لبطرس إنَّه رآه معهم ففقد الأخير صوابه وأنكر سيَّده:قَالَ وَاحِدٌ مِنْ عَبِيدِ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ، وَهُوَ نَسِيبُ الَّذِي قَطَعَ بُطْرُسُ أُذْنَهُ: «أَمَا رَأَيْتُكَ أَنَا مَعَهُ فِي الْبُسْتَانِ؟" (يوحنا 26:18). وأدَّى ذلك بالإضافة إلى ما قاله العبيد الآخرون إلى أن يبدأ بطرس بلعن نفسه وتمنِّي الموت لو كان يكذب قائلاً بأنَّه لا يعرف يسوع:

 

"وَبَعْدَ قَلِيل جَاءَ الْقِيَامُ وَقَالُوا لِبُطْرُسَ: «حَقًّا أَنْتَ أَيْضًا مِنْهُمْ، فَإِنَّ لُغَتَكَ تُظْهِرُكَ
فَابْتَدَأَ حِينَئِذٍ يَلْعَنُ وَيَحْلِفُ: «إِنِّي لاَ أَعْرِفُ الرَّجُلَوَلِلْوَقْتِ صَاحَ الدِّيكُ.
فَتَذَكَّرَ بُطْرُسُ كَلاَمَ يَسُوعَ الَّذِي قَالَ لَهُ: «إِنَّكَ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ الدِّيكُ تُنْكِرُني ثَلاَثَ مَرَّاتٍ». فَخَرَجَ إِلَى خَارِجٍ وَبَكَى بُكَاءً مُرًّا".(متى 73:26-75)

 

يبدو أنَّه مرَّ بعض الوقت بين الإنكار الثاني والإنكار الثالث. ويخبرنا لوقا أنَّ الإنكار الثاني حصل بعد ساعة من الزمن فبسبب الضغط الذي وضعه عليه نسيب ملخس إنتاب بطرس هلع شديد بسبب الإتِّهام الذي وُجِّه إليه بأنَّه جليلي وقد ظهر ذلك بسبب لهجته. ويخبرنا لوقا أيضًا إنَّه في الوقت الذي أنكر فيه بطرس معرفته بالمسيح، سمع الديك يصيح، ومن ثمَّ إلتقت عيناه بعيني يسوع بينما كان يخرج من بيت حنانيا.

 

"وَلَمَّا مَضَى نَحْوُ سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ أَكَّدَ آخَرُ قَائِلاً: «بِالْحَقِّ إِنَّ هذَا أَيْضًا كَانَ مَعَهُ، لأَنَّهُ جَلِيلِيٌّ أَيْضًا!». فَقَالَ بُطْرُسُ: «يَا إِنْسَانُ، لَسْتُ أَعْرِفُ مَا تَقُولُ!». وَفِي الْحَالِ بَيْنَمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ صَاحَ الدِّيكُ.
فَالْتَفَتَ الرَّبُّ وَنَظَرَ إِلَى بُطْرُسَ، فَتَذَكَّرَ بُطْرُسُ كَلاَمَ الرَّبِّ، كَيْفَ قَالَ لَهُ: «إِنَّكَ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ الدِّيكُ تُنْكِرُنِي ثَلاَثَ مَرَّاتٍ».فَخَرَجَ بُطْرُسُ إِلَى خَارِجٍ وَبَكَى بُكَاءً مُرًّا." (لوقا 59:22-62).

 

كم كان مؤلمــًا بالنسبة لبطرس سماع صوت الديك، وتذكَّر فجأة كلام يسوع بأنَّه سينكره ثلاث مرَّات قبل أن يصيح الديك. لا أظن أنَّ يسوع وجَّه إليه نظرات عاتبة، بل كانت نظرات حزينة. والكلمة المــُستخدمة في اللغة اليونانية لفعل "نظر يسوع" تعني أنَّه نظر بتمعّن أو بتحديق. وقد كسرت تلك النظرة قلب بطرس، فخرج إلى خارج وبكى بكاء مرًّا. وتشير عبارة "بكاء مرًّا" إلى إجهاش قوي لم يستطع السيطرة عليه، وكان رأسه منحنيًا وكتفاه ثقيلتين بسبب العار الذي لبسه في تلك اللحظة. ومن اللافت أنَّه بالنسبة للقانون اليهودي لم يكن مسموحًا إقتناء الديوك الصيَّاحة في المدينة المقدَّسة، لكنَّنا لا نعرف ما إذا كان يُعمل به أم لا. أضف إلى أنَّه لم يكن من المؤكَّد ما إذا كان ذلك اليوم سيصيح أم لا. لكن كان للرومانيين عادات عسكريَّة معيَّنة، فكان الليل يُقسم إلى أربع مناوبات: من السادسة مساء إلى التاسعة مساء، ومن الساعة التاسعة مساء إلى منتصف الليل، ومن منتصف الليل إلى الساعة الثالثة فجرًا، ومن الساعة الثالثة فجرًا إلى الساعة السادسة صباحًا. وعند تغيير الحارس عند الساعة الثالثة فجرًا كان يُطلق بوق. وكان صوت البوق هذا يُدعى في اللغة اللاتينيَّة gallicinium وفي اللغة اليونانيَّة alektorophonia اللتين تعنيان صياح الديك. ويجوز أن يكون يسوع قد قال لبطرس:"سوف تنكرني ثلاث مرَّات قبل أن يُطلق صوت البوق. وفي تلك الليلة سُمِع إطلاق صوت البوق في أرجاء المدينة فتذكَّر بطرس كلام يسوع." . إذًا، يُمكن أن يكون يسوع قد أشار إلى ديك حقيقي يصيح أو إلى إطلاق صوت البوق. لكن في كلتا الحالتين تفوَّه بعبارة نبويَّة مؤلمة.

 

يذكر النص إنكار بطرس بالتفصيل، كما أنَّه يذكر توبته المباشرة. لقد إنكسر بطرس وقدَّم توبته بسرعة. كم منَّا سقط وأنكر ربَّنا؟ ربَّما لم ننكره بالكلام كما فعل بطرس، لكنِّي متأكّد أنَّنا أنكرناه مرَّة أو أكثر بواسطة أفعالنا. وقد كُتِبت هذه الحاثة في هذا النص لتظهر لنا رحمة الله وغفرانه الكاملين. ويسمح الربّ لنا غالبًا بأن نختبر الألم لأنَّه معلِّم ممتاز.

 

ماذا تظنّ أنَّ الربّ يعلِّمك من خلال تجارب الحياة التي تمرّ بها في الوقت الحاضر؟ هل تعرف ما هي هذه الدروس؟

 

غالبًا لا نرجع إلى الرب صخرتنا إلاَّ بعدما نصل إلى الحضيض وتنكسر كبرياؤنا وثقتنا بأنفسنا. ومن الجيِّد الوصول إلى نقطة التوبة والإنكسار. ويتركنا الربّ نخوض معاركنا طالما نملك الموارد المناسبة، لكن عندما ننكسر في الروح ونشعر بالفقر نبدأ بالتطلع إلى أبعد من أنفسنا ونوجِّه أنظارنا إلى رحمة الله ونعمته. في تلك اللحظة يتدخَّل الربّ ليحارب عنَّا. ففي الضعف تكمل قوَّتنا (1كورنثوس 27:1-29).

 

"ذبائح الله هي روح منكسرة. القلب المنكسر والمنسحق يا الله لا تحتقره." (مزمور 17:51)

 

عندما ننكسر يتدخَّل الله ليخلِّصنا ويشفينا ويرمِّم ما إنكسر فينا. وهو يسمح بتلك الإمتحانات والتجارب في حياتنا لأنَّه يبنينا لكي نقضي الأبديَّة معه. وبالنسبة لي، كان الإمتحان هو السعي لجلب عائلتي للسكن في موطنهم الولايات المتحدة الأميركية. وقد حاولت جاهدًا للقيام بذلك. فبعد ستَّة عشر عامًا من زرع الكنائس في إنكلترا، أرادت زوجتي العودة إلى أميركا والإستقرار هناك فتسمح لها الفرصة بمقابلة أعضاء عائلتها. وقد إستخدم الربّ هذا الأمر كأداة لتنقيتي بينما كنت أحاول الحصول على إجازة إقامة لي. وقد علمت في داخلي أنَّ إرادة الله ليست أن نبقى بعيدين عن مسقط رأس زوجتي. لكن كان عليّ إنتظار توقيته. وقد إستخدم هذا الأمر في حياتي ليكسر إرادتي ويعلِّمني الثقة به والإتكال عليه بالكامل. فمدرسة الله التدريبيّة تتعدَّى كليَّات اللاهوت وهي أوسع من المعرفة العقليَّة. ويحتوي تدريبه غالبًا على إنكسار وإنسحاق قلبيّ. وقد تعلَّمت منذ أن قبلت المسيح في العام 1977 أنَّ الله يستخدم الإختبارات التي تمرّ في حياتنا كمدرسة نتعلَّم من خلالها ونتهيَّء للأبديَّة. إنَّه يُقولب ويشكِّل شخصيَّاتنا من خلال الظروف التي نمرّ بها يوميًّا. ويمكن لبعض تلك الظروف أن تكون قاسية كفقدان أحد أفراد العائلة، أو إنتظار مطوَّل لأمر نود تحقيقه، أو حاجة ماديَّة، أو ولد مريض... ويمكن للائحة أن تطول أكثر من ذلك. أمَّا بالنسبة لي فكان الأمر يتعلَّق بموضوع إقامتي من أجل جلب أفراد عائلتي إلى مسقط رأسهم. لكن عندما يحين الوقت، وينتهي عمل الله، يتعاطف مع عبيده عندما يرى أن قوَّتهم قد خارت ونفذت ذخيرتهم وفشلت كل مخطَّطاتهم (تثنية 36:32).

 

نقرأ في سفر إرمياء الأصحاح 18 أنَّ النبي ذهب إلى بيت الفخَّاري ورآه يصنع وعاء من الفخَّار. وكان شكل ذلك الوعاء معوجًّا ولم يكن جميلاً. فكسره الفخَّاري وبدأ العمل عليه من جديد ليصنع منه الشكل الذي أراده. وكان الدرس الذي أراد الله أن يقدِّمه لإرمياء ولبطرس هنا أيضًا أنَّه من خلال الإنكسار يعيد الله تشكيل كلّ واحد منَّا. وقال أ. و. توزر مرَّةً:"لا يستخدم الله أحدًا بقوَّة ما لم يجعله يتألم بشدَّة أوَّلاً." وهدف الله بالتأكيد ليس أن نتألَّم، بل أن يشفينا ويعيد بناءنا. وتتطلَّب هذه العمليَّة تغييرًا، بالرغم من أنَّ أي نوع من التغيير ليس سهلاً علينا.

 

ما هي التجارب التي تمرّ بها حاليًّا والتي يُمكن لأعضاء فريقك أن يصلّوا من أجلك؟

 

يحتاج الله إلى قلب منكسر ومنسحق ليعمل في حياة أي واحد منَّا. وما الذي أعنيه بالإنكسار؟ إنَّ الإنكسار هو عمل الله في حياة الإنسان وهو يقود إلى التخلِّي عن النفس ووضع الثقة بالكامل والإعتماد الكاملين في الآب. وقد شرح القس الإنكليزي جون كولينسون الأمر على الشكل التالي:

 

"الخضوع لإرادة الله يعني أحيانًا أنَّ إخوتي المؤمنين لا يدركون تصرّفاتي، وعليَّ أن أتذكَّر أنَّ حتَّى إخوة يسوع لم يفهموه أو يؤمنوا به. وعليّ أن أقبل عدم إستيعابهم لي، وأتفهَّم إنكساري. وعليَّ أن أتذكَّر عندما يُساء فهمي أنَّ يسوع إتُّهم ظلمًا وبقي محافظًا على هدوئه. والإنكسار هو أن أقبل الإتِّهام من دون أن أحاول تبرير نفسي. والإنكسار هو عندما يفضِّل الآخرون أحدًا بدلاً مني فأتذكَّر أنَّ آخرين صرخوا:"أطلق لنا باراباس وإصلب هذا الرجل" وأحني رأسي وأقبل الرفض. والإنكسار هو أن أحني رأسي وأقبل الإجحاف بحقي عندما يُضرَب بمخططاتي عرض الحائط فأتذكَّر أنَّ يسوع سمح لهم أن يسوقوه للصلب وقَبِل أن يكون مع الفاشلين.

لأتصالح مع الله من الضروري أن أعترف وأتوب بإتِّضاع وأتذكَّر أنَّ يسوع أخلى نفسه وأطاع حتى الموت، موت الصليب، فأحني رأسي وأستعد للظهور على حقيقتي. فالإنكسار هو أن أحني رأسي وأقبل بفرح خسارة ما أملكه من أجله عندما يُؤكل حقِّي وتُصادر ممتلكاتي لأنِّي مؤمن بالمسيح متذكِّرًا أنَّهم عرّوا المسيح وإقتسموا ثيابه وألقوا قرعة على ردائه. الإنكسار هو أن أتذكر عندما تُساء معاملتي أنَّه صلَّى عندما صلبوه:"يا أبتاه إغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون" فأحني رأسي وأقبل أي تصرف تجاهي يسمح به الآب السماوي. والإنكسار هو: عندما يتوقع مني الآخرون المستحيل والوقت والمجهود المضاعفين أتذكَّر أنَّ يسوع قال:"هذا هو جسدي امكسور من أجلكم" فأتوب عن محبتي لذاتي وعدم تضحيتي للآخرين."

 

صلاة: أيها الآب، نتذكَّر كيف أصبح من رجالات الله العظام من خلال التجارب التي مرَّ بها، وكيف أمكنك أن تستخدمه بقوَّة بالرغم من ضعفاته. هلاَّ تُكمل عملك في كلِّ واحد منَّا وتشكِّلنا كالطين كي نشبهك وتحقِّق الأمور التي أعددتها لنا؟

 

Keith Thomas

Email: keiththomas7@gmail.com

Website: www.groupbiblestudy.com

 

 

 

bottom of page