top of page

لمشاهدة المزيد من دراسات الكتاب المقدس باللغة العربية ، انقر هنا.

31. The Disciples Hated

31. العالم يكره التلاميذ

 سؤال للمناقشة: هل عاداك أخوك أو أختك أو صديق أو أزعجك عندما كنت صغيرًا؟ ما الذي كانوا يفعلونه؟

 

«إِنْ كَانَ الْعَالَمُ يُبْغِضُكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّهُ قَدْ أَبْغَضَنِي قَبْلَكُمْ.

لَوْ كُنْتُمْ مِنَ الْعَالَمِ لَكَانَ الْعَالَمُ يُحِبُّ خَاصَّتَهُ. وَلكِنْ لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ مِنَ الْعَالَمِ، بَلْ أَنَا اخْتَرْتُكُمْ مِنَ الْعَالَمِ، لِذلِكَ يُبْغِضُكُمُ الْعَالَمُ.

اُذْكُرُوا الْكَلاَمَ الَّذِي قُلْتُهُ لَكُمْ: لَيْسَ عَبْدٌ أَعْظَمَ مِنْ سَيِّدِهِ. إِنْ كَانُوا قَدِ اضْطَهَدُونِي فَسَيَضْطَهِدُونَكُمْ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ حَفِظُوا كَلاَمِي فَسَيَحْفَظُونَ كَلاَمَكُمْ.

لكِنَّهُمْ إِنَّمَا يَفْعَلُونَ بِكُمْ هذَا كُلَّهُ مِنْ أَجْلِ اسْمِي، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْرِفُونَ الَّذِي أَرْسَلَنِي.

لَوْ لَمْ أَكُنْ قَدْ جِئْتُ وَكَلَّمْتُهُمْ، لَمْ تَكُنْ لَهُمْ خَطِيَّةٌ، وَأَمَّا الآنَ فَلَيْسَ لَهُمْ عُذْرٌ فِي خَطِيَّتِهِمْ.

اَلَّذِي يُبْغِضُنِي يُبْغِضُ أَبِي أَيْضًا.

لَوْ لَمْ أَكُنْ قَدْ عَمِلْتُ بَيْنَهُمْ أَعْمَالاً لَمْ يَعْمَلْهَا أَحَدٌ غَيْرِي، لَمْ تَكُنْ لَهُمْ خَطِيَّةٌ، وَأَمَّا الآنَ فَقَدْ رَأَوْا وَأَبْغَضُونِي أَنَا وَأَبِي.

لكِنْ لِكَيْ تَتِمَّ الْكَلِمَةُ الْمَكْتُوبَةُ فِي نَامُوسِهِمْ: إِنَّهُمْ أَبْغَضُونِي بِلاَ سَبَبٍ.

«وَمَتَى جَاءَ الْمُعَزِّي الَّذِي سَأُرْسِلُهُ أَنَا إِلَيْكُمْ مِنَ الآبِ، رُوحُ الْحَقِّ، الَّذِي مِنْ عِنْدِ الآبِ يَنْبَثِقُ، فَهُوَ يَشْهَدُ لِي.

وَتَشْهَدُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا لأَنَّكُمْ مَعِي مِنَ الابْتِدَاءِ.

«قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهذَا لِكَيْ لاَ تَعْثُرُوا.

سَيُخْرِجُونَكُمْ مِنَ الْمَجَامِعِ، بَلْ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَظُنُّ كُلُّ مَنْ يَقْتُلُكُمْ أَنَّهُ يُقَدِّمُ خِدْمَةً ِللهِ.

وَسَيَفْعَلُونَ هذَا بِكُمْ لأَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا الآبَ وَلاَ عَرَفُونِي.

لكِنِّي قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهذَا حَتَّى إِذَا جَاءَتِ السَّاعَةُ تَذْكُرُونَ أَنِّي أَنَا قُلْتُهُ لَكُمْ. وَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ مِنَ الْبِدَايَةِ لأَنِّي كُنْتُ مَعَكُمْ. (يوحنا 18:15-4:16)

 

العالم يكره تلاميذ المسيح

 

يقدِّم لنا النص الذي نحن بصدد دراسته نظرة داخليَّة عمَّا حدث في الليلة الأخيرة قبل أن يُصلب يسوع. وكان التلاميذ ويسوع قد فرحوا بتناول العشاء الأخير معًا، ونقرأ في نهاية الأصحاح الرابع عشر أنَّهم خرجوا جميعًا من العلِّيَّة إلى بستان جثسيماني (الذي يعني مكان عصر الزيتون). وكان يهوذا قد ترك المكان قبلهم ليسلِّم يسوع إلى القادة الدينيين. ويخبرنا التقليد أنَّ العلِّيَّة كانت تقع في الجانب الغربيّ من الهيكل الواقع على جبل أورشليم. وهي الغرفة نفسها حيث كان سيحلّ الروح القدس بعد خمسين يومًا في يوم الخمسين. وكانت مساحة بستان جثسيماني ما يقارب الأربعمائة أو الخمسمائة مترًا مربّعًا إلى الجانب الشرقيّ من جبل الهيكل. ولذلك من المرجَّح أن يكون يسوع قد وقف مقابل الكرمة الذهبيَّة التي كانت مدلاَّة على العواميد الأربعة للهيكل (راجع الدرس الذي يحمل عنوان "يسوع الكرمة الحقيقيَّة"). ويمكن أن يكون قدَّم تعليمه عن أنَّه الكرمة الحقيقيَّة (الأصحاح 15)، وهو واقف قبالة تلك الكرمة الذهبيَّة المدلاَّة على مدخل الهيكل.

 

وإلتقى يسوع بيهوذا والجنود الذين كانوا قد أتوا إلى بستان جثسيماني قبل ساعة أو ساعتين للإمساك به. وفي هذا الإطار، شارك يسوع مع تلاميذه ما يجول في قلبه لتهيئتهم للصعوبات التي كانت بإنتظارهم. وإفتكر بالتالي بينما نتخيَّل معًا هذا المشهد: فحتى في أحلك الأوقات التي كان يمرّ بها يسوع تغلَّب إهتمامه بالآخرين على ألمه. فهذا هو يسوعنا الذي نعبد! وبالرغم من أنَّه علم ما سيحدث في الساعات القليلة المقبلة من تلك الليلة إلاَّ أنَّه لم يغمض له جفن. لقد كان يفكِّر بتلاميذه بدل أن يفكِّر بنفسه. ويظهر هذا الأمر إعتناء الراعي برعيته ومحبته لهم. ويقول لهم الربّ إنَّ العالم سيكرهم كما كرهه هو لأنَّه أخرجهم منه.

 

ما الذي كان يعنيه يسوع بقوله إنَّ العالم سيكرههم (ع 18)؟ وما الذي كان يعنيه بإستخدام كلمة "العالم"؟ ألا يحبّ الله العالم؟

 

إنَّنا نخوض معركة، ولا يهم إن كنَّا نعترف بذلك أم لا. فالبشريَّة كلّها في خضَّم معركة كونيَّة تدور بين الأرواح غير المرئيَّة التي تؤثِّر بعالم اللحم والدم. ويقود الشيطان الذي هو عدوّ المؤمنين ملائكته وأرواحه الشرِّيرة ليحافظ على سيطرته على هذا العالم. ويخبرنا الكتاب المقدَّس أنَّ الشيطان هو إله ورئيس هذا العالم:

 

"اَلآنَ دَيْنُونَةُ هذَا الْعَالَمِ. اَلآنَ يُطْرَحُ رَئِيسُ هذَا الْعَالَمِ خَارِجًا." (يوحنا 31:21)

 

"لاَ أَتَكَلَّمُ أَيْضًا مَعَكُمْ كَثِيرًا، لأَنَّ رَئِيسَ هذَا الْعَالَمِ يَأْتِي وَلَيْسَ لَهُ فِيَّ شَيْءٌ." (يوحنا 30:14)

 

وهناك إختلاف بين العالم الفيزيائي الذي خلقه الله، وبين العالم الذي طلب منَّا المسيح أن لا نحبّه:

 

"لاَ تُحِبُّوا الْعَالَمَ وَلاَ الأَشْيَاءَ الَّتِي فِي الْعَالَمِ. إِنْ أَحَبَّ أَحَدٌ الْعَالَمَ فَلَيْسَتْ فِيهِ مَحَبَّةُ الآبِ." (1يوحنا 15:2)

 

فالعالم الفيزيائي لا يملك فكرًا، لذلك لا يمكنه أن يكون شرِّيرًا وأن يكره التلاميذ. والعالم الذي يتكلَّم عنه يسوع هو النظام العالمي الذي يكره الربّ يسوع وتلاميذه (والتلميذ هو الذي يعتنق تعاليم أحدهم ويعمل على نشرها). والنظام العالمي هو الأسلوب الذي إعتمده إبليس إله هذا العالم ليقاوم الربّ. ويقدِّم يوحنا تفصيلاً عن معنى كلمة "العالم" في النصّ التالي:

 

"لأَنَّ كُلَّ مَا فِي الْعَالَمِ: شَهْوَةَ الْجَسَدِ، وَشَهْوَةَ الْعُيُونِ، وَتَعَظُّمَ الْمَعِيشَةِ، لَيْسَ مِنَ الآبِ بَلْ مِنَ الْعَالَمِ.

وَالْعَالَمُ يَمْضِي وَشَهْوَتُهُ، وَأَمَّا الَّذِي يَصْنَعُ مَشِيئَةَ اللهِ فَيَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ." (1يوحنا 16:2-17)

 

ويتألَّف العالم من مجتمعات بشريَّة تنظِّم ذاتها بعيدًا عن الله. وسيبقى العالم معاديًا لكنيسة الربّ يسوع المسيح طالما أنَّها تُظهر في النور الأمور التي تُعمل في الخفاء. وقد طلب منَّا الربّ يسوع أن نقوم بكلّ ما بوسعنا لتخليص الناس الثمينين الذي مات المسيح بدلاً عنهم من براثن نظام العالم الساقط. وإن كان يراودك أي شكّ أنَّ هذا العالم وأساليب التعليم العالي فيه والموسيقى والسياسة والأشغال وحتى الديانات كلّها معادية لله ولإبنه فإذهب إلى المجتمعات الراقية وبشِّر بإنجيل الربّ يسوع وترقَّب ما سيحصل! ستواجه مقاومة وستُضطهد بسبب إيمانك."وَجَمِيعُ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَعِيشُوا بِالتَّقْوَى فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ يُضْطَهَدُونَ." (2تيموثاوس 12:3).

 

وتراود العالم شكوكًا بالنسبة للّذين لديهم قيمًا وأهدافًا وأمالاً مختلفة عن تلك التي يسعى العالم وراءها. وإن كنت تبدأ بالقيام بالأمور بطريقة مختلفة عن التي يقوم بها العالم، فلا تتفاجأ إن بدأوا ينظرون إليك نظرة الشكّ. وإن كنت تتكلَّم عن إيمانك بجهارة فستُواجه بالعدائيَّة والإضطهاد. وحذَّر يسوع تلاميذه أنَّ هذا سيكون الأمر الواقع وعلينا أن نتوقَّع ذلك. ولا ينطبق هذا الأمر على تلاميذه الذين كانوا يسمعونه يتكلَّم فقط، بل علينا نحن أيضًا الذين نعيش في القرن الحادي والعشرين. فالأمور تتغيَّر إلى الأسوأ حتى في البلدان الغربيَّة، ولا أقول كلّ هذا لكي نظنّ أنَّه علينا كمؤمنين بالمسيح أن نختبأ أو نتجنَّب الآخرين. والناس من جميع المستويات الإجتماعيَّة بحاجة ليسمعوا الأخبار السارَّة عن ماذا فعله يسوع، وعلينا أن نتَّبع تعاليم الربّ في أشغالنا ومدارسنا وحياتنا اليوميَّة.

 

وعلى كلّ مؤمن أن يتبع إرشاد الروح القدس ولا يخاف من العالم، بل يسعى ليشِّع نور المسيح أينما ذهب. ولكن، إن كانت حياتنا متشابكة مع العالم فكيف يمكن أن نُظهر إختلافنا؟ وكيف يمكن أن نجذب الآخرين بنور المسيح إن كان مــُخفضًا في حياتنا بسبب أشراك العالم؟

 

ويفتّش الناس عن الحياة الحقيقيَّة وهي تظهر من خلال الثمر الممثل بجذب الآخرين للمسيح. ولن يحصل هذا إن كان من الصعب تمييزك عن العالم. وإن كانت هذه حالتك، إطلب من الرب أن يُشعل النار في داخلك بمحبَّة للمسيح، ويساعدك على التحرّر من محبَّة العالم.

 

هل تواجه أشراكًا في المجتمع يصعب عليك تفاديها؟ ما هي؟ وهل تشعر أنَّ هذه الأمور تعيقك من أن تكون مكرَّسًا بالكامل لله؟

 

ذهبت مرَّة برفقة زوجتي وبعض الأصدقاء من كنيستنا في إنكلترا إلى بلدة مجاورة للمشاركة عن المسيح مع الذين نلتقي بهم على الطريق. وقد واجهنا مقاومة إذ تكلَّمنا مع ثماني أو تسع مجموعات من راكبي الدراجات الناريَّة. وبدأنا بالحديث معهم عن المسيح فواجهونا بالسخرية والعدائيَّة. وبينما كنَّا نتكلّم معهم أخذوا بالتباري في من يتهكّم منَّا أكثر. وتفوَّق واحد منهم على الآخرين في ذلك. فإنسحبنا بهدوء ظنًّا منَّا أنَّنا أزعجناهم وإنضممنا إلى باقي أفراد فريقنا. وبعد حوالي الساعتين أتى ذلك الرجل الذي كان يهزأ منَّا مع آخرين من فريقنا. وكان يرتجف من شدَّة تبكيت الروح القدس له. وذُهِلنا من التغيير الذي جرى لذلك الرجل وقد أظهر كلّ لطف وتواضع. وقبِل المسيح في تلك الليلة. وهناك قول في اللغة الإنكليزيَّة يقول ما معناه:"عندما ترمي الحجارة على مجموعة من الكلاب، فالكلب الذي ينبح أعلى هو الذي يكون قد تأذَى أكثر!" وعندما تكون ردَّة فعل أحدهم سلبيَّة لشهادتك أو لرسالة الإنجيل فربَّما يكون ذلك تجاوبًا مع تأنيب الروح القدس في قلبه.

 

إنَّ الذين يعيشون من حولك أو يعملون معك غالبًا ما يكونون تحت سيطرة روح أخرى غير التي تعيش تحت سيطرتها أنت:

 

"وَأَنْتُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَمْوَاتًا بِالذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا، الَّتِي سَلَكْتُمْ فِيهَا قَبْلاً حَسَبَ دَهْرِ هذَا الْعَالَمِ، حَسَبَ رَئِيسِ سُلْطَانِ الْهَوَاءِ، الرُّوحِ الَّذِي يَعْمَلُ الآنَ فِي أَبْنَاءِ الْمَعْصِيَةِ" (أفسس 1:2-2)

 

إنت كنت تلميذًا للمسيح وتسعى لتكون سفيرًا له، فلا يجب عليك أن تتعجَّب من أيَّة ردَّة فعل غضب أو إشمئزاز تتلقَّاها. تذكَّر أنَّك لست وحيدًا، فالربّ معك وهو يعمل في قلوب الذين تتكلَّم معهم عنه. ومن الممكن أن يكون للناس ردَّات فعل مختلفة، لكن لا يمكننا أن نعرف ما الذي يدور في قلوبهم. لكنَّ الرب يرى قلوبهم وهو يشهد لكلمته من خلال الروح القدس. لكن، سيتجاوب كثيرون مع دعوة الله المحبَّة بالرغم من الآخرين الذين سيرفضونها. وحيث تلمع كلمة الرب، ستقوم حرب روحيَّة وغالبًا ما يحدث إضطهاد.

 

إنَّ الله لا يريد وجود الإضطهاد، لكن لماذا يسمح به؟

 

عندما نمرّ بإضطهاد يظهر الضعف الذي في دواخلنا، لكن تتعمَّق ثقتنا بالله. وكما نعلم فإنَّ الرسول بولس تألَّم بسبب إيمانه أكثر من أي شخص آخر في زمن الكنيسة الأولى، لكنَّه إقتنع أنَّ قوَّة المسيح تحلّ عليه بالأكثر عندما يشعر بضعفه وهشاشته:

 

"فَقَالَ لِيتَكْفِيكَ نِعْمَتِي، لأَنَّ قُوَّتِي فِي الضَّعْفِ تُكْمَلُ». فَبِكُلِّ سُرُورٍ أَفْتَخِرُ بِالْحَرِيِّ فِي ضَعَفَاتِي، لِكَيْ تَحِلَّ عَلَيَّ قُوَّةُ الْمَسِيحِ. لِذلِكَ أُسَرُّ بِالضَّعَفَاتِ وَالشَّتَائِمِ وَالضَّرُورَاتِ وَالاضْطِهَادَاتِ وَالضِّيقَاتِ لأَجْلِ الْمَسِيحِ. لأَنِّي حِينَمَا أَنَا ضَعِيفٌ فَحِينَئِذٍ أَنَا قَوِيٌّ." (2كورنثوس 9:12-10).

 

عندما نشعر بضعفنا يغدق علينا الله بقوَّته ويستخدمنا. ثق أنَّ الله سيستخدم كلماتك بشكل فعَّال. لقد تكلَّم بولس الرسول بكلِّ مجاهرة وسط المقاومة الشديدة في مدن عديدة من العالم القديم. وعندما أتى إلى كورنثوس الواقعة في جزيرة اليونان واجه مقاومة من رجال الدين هناك الذين عاملوه بقسوة (أعمال الرسل 5:18-6)، لكن، ماذا كانت النتيجة؟ كان الرب يدعو آخرين من خلال كلامه ويجذب كثيرين لنفسه: "فَقَالَ الرَّبُّ لِبُولُسَ بِرُؤْيَا فِي اللَّيْلِلاَ تَخَفْ، بَلْ تَكَلَّمْ وَلاَ تَسْكُتْ، لأَنِّي أَنَا مَعَكَ، وَلاَ يَقَعُ بِكَ أَحَدٌ لِيُؤْذِيَكَ، لأَنَّ لِي شَعْبًا كَثِيرًا فِي هذِهِ الْمَدِينَةِ». فَأَقَامَ سَنَةً وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ يُعَلِّمُ بَيْنَهُمْ بِكَلِمَةِ اللهِ." (أعمال الرسل 9:18-11).

 

شجَّع الربّ بولس قائلاً إنَّ وسط الإضطهاد ومقاومة كلامه كان من الموجودين كثيرون ممَّن قد إختارهم الله للحياة الأبديَّة، وبولس سوف ينجح في مهمته. ألا يكون الأمر أسهل لو أنَّه يُظهر لنا من هم المختارين للحياة؟ وأحيانًا لا نعلم ماذا سيفعل الله إن كنَّا مطيعين بكلِّ بساطة لمشاركة الإنجيل مع الآخرين. فالله قادر أن يــُثـمر في حياتنا إن كنَّا نثق به حتى خلال الإضطهاد. خذ مثلاً الرسول بولس. هل تعلم أنَّه إعتنق المسيحيَّة بعد أن كان يهوديًّا متعصِّبًا وبعد أن رأى إستفانوس يــُرجم للموت؟ وبعد عدَّة سنوات من تسليم حياته للمسيح، شارك أنَّ السبب الذي غيَّر حياته هو أنَّ الربَّ تكلَّم معه عندما أظهر له ذاته على طريق دمشق: "فَلَمَّا سَقَطْنَا جَمِيعُنَا عَلَى الأَرْضِ، سَمِعْتُ صَوْتًا يُكَلِّمُنِي وَيَقُولُ بِاللُّغَةِ الْعِبْرَانِيَّةِ: شَاوُلُ، شَاوُلُ! لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي؟ صَعْبٌ عَلَيْكَ أَنْ تَرْفُسَ مَنَاخِسَ." (أعمال الرسل 14:26)

 

ماذا كان يعني الرب حين قال لبولس (شاول) إنَّه "صَعْبٌ عَلَيْكَ أَنْ تَرْفُسَ مَنَاخِسَ."؟ ويسوع كان في السماء، فكيف كان بولس يضطهده؟

 

هل تساءلت يومًا ما الذي كان يعنيه الرب حين وصف بولس بأنَّه كان يرفس مناخس؟ أوَّلاً، ما المقصود بالمنخس؟ المنخس هو عامود طويل مسنن كان يُستخدم لنخز ظهر الثور خلال الحراثة ليتنبّه من سهوته. ونخس المناخس يعني أن تكون تحت وطأة تبكيت الروح القدس لكنك ترفض أو ترفس هذا التبكيت. فإن كنت تحت تبكيت الروح القدس الذي يحاول أن يلفت إنتباهك، لا تعش ما تبقى من حياتك نادمًا على حياتك السابقة قبل أن تلتقي بالمسيح كما فعل بولس. إستسلم الآن وإجعل حياتك تتوافق مع مشيئة الرب لك. وفي ذكره رفس المناخس كان الربّ يذكِّر بولس بالوقت الذي قضاه الحديثو الإيمان تحت الإضطهاد من قِبَل السطات الدينيَّة اليهوديَّة. وكان قادة الدين اليهود قد قاوموا إستفانوس أحد خدَّام الكنيسة الأولى لأنَّه كان يتكلَّم بمجاهرة عن المسيح بالرغم من الإضطهاد (أعمال الرسل9:6). وكان وجهه يلمع كملاك بحضور الله فيه (أعمال الرسل 15:6). وكان شاول أحد القادة الدينيين (وقد تغيَّر إسمه إلى بولس) قد رأى بأم العين وجود الله وقوته وسط الإضطهاد الموجَّه لخادمه. وعندما إبتدأ إستفانوس بالتكلّم من جديد عن الله، لم يعد القادة الدينيون قادرين على الإحتمال فرجموه حتى الموت أمام كل الشهود، إلاَّ أنَّ ردَّة فعله كانت أن طلب لهم المغفرة: "فَصَاحُوا بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَسَدُّوا آذَانَهُمْ، وَهَجَمُوا عَلَيْهِ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَأَخْرَجُوهُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ وَرَجَمُوهُ. وَالشُّهُودُ خَلَعُوا ثِيَابَهُمْ عِنْدَ رِجْلَيْ شَابٍّ يُقَالُ لَهُ شَاوُلُ. فَكَانُوا يَرْجُمُونَ اسْتِفَانُوسَ وَهُوَ يَدْعُو وَيَقُولُأَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ اقْبَلْ رُوحِي». ثُمَّ جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍيَارَبُّ، لاَ تُقِمْ لَهُمْ هذِهِ الْخَطِيَّةَ». وَإِذْ قَالَ هذَا رَقَدَ. وَكَانَ شَاوُلُ رَاضِيًا بِقَتْلِهِ. وَحَدَثَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ اضْطِهَادٌ عَظِيمٌ عَلَى الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي أُورُشَلِيمَ، فَتَشَتَّتَ الْجَمِيعُ فِي كُوَرِ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ، مَا عَدَا الرُّسُلَ." (أعمال الرسل 57:7-1:8).

 

أعتقد أنَّ الله بدأ عمله في شاول \ بولس عندما شهد على مجد الله خلال رجم إستفانوس وغفرانه للَّذين كانوا يرجمونه. هل يمكن أن تكون هناك شهادة أقوى من تلك الشهادة؟ إنِّي اؤمن أنَّ إستفانوس سيشارك بالمكافآت الأبديَّة والثمار التي نتجت عن خدمة بولس لأنَّه أظهر إيمانه وسط الإضطهاد. وقد أثَّر موقف إستفانوس ببولس حتى إنَّه تأنَّب بالرغم من أنَّه كان عدوًّا لأتباع المسيح. فنحن لا نعلم ما يمكن أن يقوم به الله خلال أي ألم ممكن أن نمرّ به من أجل إسمه.

 

لماذا سيحدث الإضطهاد على التلاميذ؟

 

"اُذْكُرُوا الْكَلاَمَ الَّذِي قُلْتُهُ لَكُمْ: لَيْسَ عَبْدٌ أَعْظَمَ مِنْ سَيِّدِهِ. إِنْ كَانُوا قَدِ اضْطَهَدُونِي فَسَيَضْطَهِدُونَكُمْ، وَإِنْ كَانُوا قَدْ حَفِظُوا كَلاَمِي فَسَيَحْفَظُونَ كَلاَمَكُمْ. لكِنَّهُمْ إِنَّمَا يَفْعَلُونَ بِكُمْ هذَا كُلَّهُ مِنْ أَجْلِ اسْمِي، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْرِفُونَ الَّذِي أَرْسَلَنِي." (يوحنا 20:15-21).

 

ماذا يعني أن نكون في العالم ولا نكون من العالم؟ كيف تجد وضع إضطهاد المؤمنين اليوم؟ وماذا يُخفي هذا الإضطهاد؟

 

لا يجب أن نختبىء من العالم، بل يجب أن نتواجه مع الأرواح الشرير ونغلبها. والأرواح تعرف بعضها البعض. ماذا أعني بذلك؟ إنَّ بعض الأرواح الشرِّيرة في هذا العالم أقوى من بعض الأرواح الشريرة الأخرى. وكلَّما أعطى الإنسان نفسه لروح هذا العالم، كلَّما سيطرت هذه الروح عليه وحكمته. وعندما يقود روح هذا العالم إنسانًا معيَّنًا بإمكانه الملاحظة ما إذا كان إسم يسوع عليه. وتذكَّر أنَّك إشتُريت بثمن، فأنت لست ملكًا لذاتك. وعندما سلَّمت حياتك للربّ، ختم روح الله عليك ختمًا يشير إلى أنَّك ملك له (أفسس 30:4). ولهذا السبب فإنَّ الروح الشرِّير يقاوم مسحة الروح القدس وسلطانه عليك. فعندما حاول أبناء "سكاوا" السبعة أن يطردوا روحًا شرِّيرًا، علم ذلك الروح أنَّ الشبَّان لم يكونوا مؤمنين بالمسيح ولم يلاحظ روح المسيح عليهم. وكانت غلطة كبيرة إقترفوها:

 

"فَشَرَعَ قَوْمٌ مِنَ الْيَهُودِ الطَّوَّافِينَ الْمُعَزِّمِينَ أَنْ يُسَمُّوا عَلَى الَّذِينَ بِهِمِ الأَرْوَاحُ الشِّرِّيرَةُ بِاسْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ، قَائِلِينَنُقْسِمُ عَلَيْكَ بِيَسُوعَ الَّذِي يَكْرِزُ بِهِ بُولُسُوَكَانَ سَبْعَةُ بَنِينَ لِسَكَاوَا، رَجُل يَهُودِيٍّ رَئِيسِ كَهَنَةٍ، الَّذِينَ فَعَلُوا هذَا. فَأَجَابَ الرُّوحُ الشِّرِّيرُ وَقَالَأَمَّا يَسُوعُ فَأَنَا أَعْرِفُهُ، وَبُولُسُ أَنَا أَعْلَمُهُ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَمَنْ أَنْتُمْ؟» فَوَثَبَ

عَلَيْهِمُ الإِنْسَانُ الَّذِي كَانَ فِيهِ الرُّوحُ الشِّرِّيرُ، وَغَلَبَهُمْ وَقَوِيَ عَلَيْهِمْ، حَتَّى هَرَبُوا مِنْ ذلِكَ الْبَيْتِ عُرَاةً وَمُجَرَّحِينَ." (أعمال الرسل 13:19-16)

 

قال يسوع إنَّهم سوف يعاملونكم بهذه الطريقة لأنَّه إسم الله عليكم. فروح العالم يرى روح الله عليكم.

 

المعين (المعزِّي) سيكون معنا

 

"وَمَتَى جَاءَ الْمُعَزِّي الَّذِي سَأُرْسِلُهُ أَنَا إِلَيْكُمْ مِنَ الآبِ، رُوحُ الْحَقِّ، الَّذِي مِنْ عِنْدِ الآبِ يَنْبَثِقُ، فَهُوَ يَشْهَدُ لِي. وَتَشْهَدُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا لأَنَّكُمْ مَعِي مِنَ الابْتِدَاءِ". (يوحنا 26:15-27).

 

كان عليهم أن ينتظروا حلول الروح القدس فهو سيكون المعزِّي أو المعين الذي سيبقى بالقرب منهم. وكان حلول الروح القدس في يوم الخمسين سيُبطل المعركة الروحيَّة التي ستقام ضدَّهم من قِبل روح العالم. وإذ نظر يسوع حوله في تلك الليلة على الأحدى عشر تلميذ ذكَّرهم أنَّ حلول الروح القدس سيساعدهم على تحمّل الإضطهاد والمواجهة الذي علم أنَّهما قادمان. وإنِّي متأكّد أنَّ التلاميذ لم يفرحوا بذلك الحديث، لكنَّ الربّ علم كلّ شيء وهم كانوا قد وثقوا بالكامل بكلامه. وقد أراد أن ينبِّههم قبل حدوث الأمر بأنَّهم سوف يُطردون من الجوامع، وسيظن كلّ من يقتلهم أنَّه يصنع معروفًا لله:

 

"قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهذَا لِكَيْ لاَ تَعْثُرُوا.

سَيُخْرِجُونَكُمْ مِنَ الْمَجَامِعِ، بَلْ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَظُنُّ كُلُّ مَنْ يَقْتُلُكُمْ أَنَّهُ يُقَدِّمُ خِدْمَةً ِللهِ.

وَسَيَفْعَلُونَ هذَا بِكُمْ لأَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا الآبَ وَلاَ عَرَفُونِي.

لكِنِّي قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهذَا حَتَّى إِذَا جَاءَتِ السَّاعَةُ تَذْكُرُونَ أَنِّي أَنَا قُلْتُهُ لَكُمْ. وَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ مِنَ الْبِدَايَةِ لأَنِّي كُنْتُ مَعَكُمْ." (يوحنا 1:16-4)

 

وكان الطرد من الجامع لأيِّ يهودي في زمن يسوع يُعتبر مصيبة. فالحياة الإجتماعيَّة والصداقات كانت تُبنى هناك. وكان ما يقوله يسوع واضحًا جدًّا بالنسبة للتلاميذ. ولا يجدر بنا أن نغلِّف الإنجيل بغلاف ذهبي للَّذين نقودهم إلى المسيح. فربَّما ستأتي أوقات صعبة للَّذين يؤمنون به. ويخبرنا الكتاب المقدَّس أنَّه في نهاية الزمن سوف يرجع كثيرون عن الإيمان.

 

"حينَئِذٍ يُسَلِّمُونَكُمْ إِلَى ضِيق وَيَقْتُلُونَكُمْ، وَتَكُونُونَ مُبْغَضِينَ مِنْ جَمِيعِ الأُمَمِ لأَجْلِ اسْمِي.

وَحِينَئِذٍ يَعْثُرُ كَثِيرُونَ وَيُسَلِّمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيُبْغِضُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا." (متى 9:24-10 وراجع أيضًا 2تسالونيكي 3:2).

 

إنِّي أؤمن أنَّه كما تقوَّى التلاميذ بسبب حلول الروح القدس عليهم، فإنَّ الكنيسة ستحظى بقوَّة خاصَّة من الأعالي عند حدوث الإضطهاد، إن كنَّا مدعوِّين للمرور بظروف مماثلة. وعندما نفكِّر بكلمة "شهداء" فإنَّ أفكارنا غالبًا ما تذهب إلى الماضي وإلى زمن الكنيسة الأولى. لكن، هل تعلم أن كلمة "شهيد" تنطبق على زمننا أكثر من أيّ زمن آخر؟ فخلال هذا القرن فقط، قُتِل عدد أكبر من المؤمنين بسبب إيمانهم أكثر من أيِّ قرون ماضية. فكِّر بذلك للحظة، فالمؤمنون واجهوا الإضطهاد في بلدان مثل الصين والإتحاد السيوفياتي ورومانيا وألبانيا وكوبا ونيكاراغوا ونيجيريا وأفغانستان وباكستان وإيران والسودان والهند وسوريا ومصر ودول أخرى.

 

في العام 1563، بدأ جون فوكس بالقيام بخدمة تذكاريَّة للشهداء إبتداء بإستفانوس وإنتهاء بشهداء عصره الذين قُتِلوا خلال حكم الملكة ماري الشريرة. وقد أُضيفت على كتاب فوكس "الشهداء" أسماء الذين تألَّموا من أجل المسيح في هذا القرن. لكنَّه يحتاج الآن أيضًا إلى إضافات إذ إنَّ الإضطهاد إزداد منذ وقت نشره في العام 2001.

 

وإليكم قصَّة من النسخة الجديدة لكتابه تشبه قصَّة رجم إستفانوس. وقد حدثت خلف الستارة الحديدية في العام 1969، وهي نقل شاهد عيان عن موت العديد من المؤمنين في خيام التعذيب. وقد رُبطت رجلا ويدا فتاة شابة وأُجبرت على الركوع في وسط دائرة حتى يتسنى للَّذين تلقّوا الأمر برجمها أن يرموا عليها الحجارة، وإلاَّ فكانوا سيموتون رميًا بالرصاص. ورفض العديد من المؤمنين القيام بذلك فأُطلقت النار عليهم على الفور. وماتت الفتاة تحت رجمة الحجارة وكان وجهها يلمع كما وُصِف وجه إستفانوس عند رجمه. وفي وقت لاحق، إستسلم أحد الذين ألقوا الحجارة عليها وقبِل المسيح مخلِّصًا.

 

إنَّ الربّ لم يتركنا لوحدنا، فهو معنا ، وقد قال لنا إنَّه لن يتركنا ولن يهملنا. وكما قال للتلاميذ إنَّهم سيُجاهرون بقوَّة بإسم المسيح، هكذا سنواجه الشرير بقوَّة نحن أيضًا.

 

هل إختبرت يومًا العدائيَّة أو الإحتقار بسبب إيمانك بالمسيح؟ شارك ماذا حدث.

 

يخبر بطريرك قبرص ثيودورت عن رجل يُدعى تليماخوس عاش حوالي سنة 400 م. وكان قد كَبُر من دون الإهتمام بالأمور الدينيَّة وإنغمس في ملذَّات العالم. وبقي لسنوات عديدة يفتِّش عن معنى لحياته، إلاَّ أن علم أنَّ يسوع مات على الصليب ليخلِّصه من خطاياه. وعندما آمن بالمسيح، تغيَّرت حياته بطريقة واضحة جدَّا، ودخل الدير ليصبح راهبًا. وحدث مرَّة أنَّه بينما كان يصلِّي في العام 402 م ، شعر الراهب الشاب أنَّ الربّ يطلب منه أن يترك الدير وأن يشارك مع الآخرين الخلاص بالمسيح كما عرف هو عن هذا الأمر. وحدَّد الرب له المكان الذي يجب أن يذهب إليه، وكان يقع عدَّة أميال غرب روما. فذهب طائعًا دون أن يكون متأكِّدًا من سبب ضرورة سفره إلى هناك. وعندما وصل إلى روما، إنضم بدافع من الحشرية إلى مجموعة كبيرة مؤلفة من مئات من الناس. ولم يكن يعلم إلى أين كانوا متَّجهين إلا أنه إستمر بالسير، فلم يكن يريد أن يخسر ما يمكن أن يفوِّته من حماس. وبعد وقت قصير، وجد نفسه داخل مدرَّج روماني. وكان الرومان قد هزموا القوطيين وكانوا يحتفلون على شرف الإمبراطور. وكان يقف أمام منصَّة الإمبراطور مجموعة من الملاكمين يصرخون معًا:"نحن الذين سنموت قريبًا، نحييك." وفجأة تذكَّر تليماخوس عن لعبة الملاكمة، لكنَّ الرهبان كانوا يعتقدون أنَّها خرافة. وقد وجد الآن أنَّها حقيقيَّة.

 

إبتدأ الملاكمون بالمصارعة وكان الدم يتطاير في كلّ مكان والجمهور يصرخ تشجيعًا. وكان الرجال يموتون أمام تليماخوس وكان الجمع ينتشي من الوحشية التي كانت تُمارس أمامهم. وكان مشمئزًا ممَّا يحصل في الباحة وفي صفوف المشاهدين أيضًا. وتنبَّه في تلك اللحظة أنَّ ما يحدث يجب أن يتوقّف. فصرخ إلى الملاكمين من مقعده:"بإسم يسوع!" لكن، لم يسمع أحد بسبب الضوضاء وجنون الجمع.

 

وقفز دون أن يفكِّر فوق السور إلى باحة المعركة. وتفاجأ الملاكمون بتدخّله غير المتوقّع وتوقّفوا فجأة عن العراك بينما صرخ بأعلى صوته:"توقَّفوا بإسم يسوع!" وظنَّ جمهور المشاهدين أنَّ هذا كان جزءًا من المباراة وبدأوا بالضحك على ما فكَّروا أنَّه مهرِّجًا يقوم بعمله وسط الدماء. وإلتفت أحد الملاكمين نحو تليماخوس موجِّهًا سيفه نحوه، إلاَّ أنَّه لم يصبه. فهجم الملاكمون الآخرون نحوه بسيوفهم فصرخ تليماخوس بأعلى صوته من جديد:"بإسم يسوع، توقَّفوا!"

 

عندها، توقّف الجمع عن الضحك إذ سمعوا أنَّه يأمرهم بإسم الربّ. وأزاح سيف الملاكم وهو يصرخ دون تقطّع:"توقّفوا من أجل المسيح! بإسم يسوع، توقَّفوا!" وعندما إنقشع الغبار، وُجِد تليماخوس واقعًا على الأرض بعد أن إخترق السيف صدره. وأطبق صمت كبير على الجمع. ويُقال إنَّه في تلك اللحظة كان يتردَّد صدى كلماته:"بإسم المسيح توقّفوا." وبعد ما ظهر كأنَّه وقت طويل بدأ الرجال بالإنسحاب من مقاعدهم الواحد تلو الآخر، ورحلوا بصمت غير مصدِّقين ما حدث.

 

أدَّى مشهد الراهب الميت في وسط المدرّج وردَّة فعل الجمهور إلى أن يقف الإمبراطور وضيوفه ويخرجون بصمت. بعد لحظات، رمى الملاكمون سيوفهم وتركوا المكان، وبقي جسد ذلك الراهب وسط المدرّج الكبير. ويُقال، بحسب السرد التاريخي، إنَّ تلك كانت آخر لعبة ملاكمة تُقام. وقد غيَّرت ذكرى ذلك الرجل الصارخ وصورة الجمع المتعطَّش إلى الدماء قلوب وأفكار الرومان في تلك اللحظة. ولم يجرِ أي قتال في المدرَّج بعد تلك الحادثة، ولم تُقام أيَّة مباريات ملاكمة في روما. ولم يعد القتال جزءًا من الرياضة. وكان كلّ ذلك بسبب رجل وقف وقال:"توقّفوا بإسم يسوع!"

 

لقد أتى يسوع ليمشي بعكس التيَّار، وليأخذ موقفًا تجاه الروح الذي يعمل في هذا العالم، وليطلق كلّ من يتجاوب مع رسالة المحبَّة التي يقدِّمها. إخوتي وأخواتي، إنَّ روح العالم يريدنا أن نساوم بدل أن نقف ونصرخ بوجه الشرِّير كما فعل تليماخوس:"توقّفوا بإسم يسوع!" ربَّما نموت بسبب إيماننا، لكن هذا العالم ليس نهاية القصّة، بل سنفرح بالأبديَّة مع ربِّنا. وعلينا أن ننظر إلى طرق هذا العالم ونتخذ موقفًا ضد الأمور التي تؤدِّي إلى الظلم والألم والمرارة والغضب والقتل. بإسم يسوع توقّفوا! علينا أن نقف ونصرخ قائلين: بإسم يسوع توقّفوا، عندما نرى الظلم الذي يتعرّض له جيراننا، وظلم قادتنا، وفشل أنظمتنا.

 

صلاة: أيّها الآب، نصلِّي من أجل كل من يتعرَّض اليوم للإضطهاد بسبب إيمانه بالمسيح. أرجو أن تنجِّيهم وتنجِّينا نحن أيضًا من الشرير. وإن كنت سمحت بحدوث الإضطهاد للَّذين يقرأون هذه الكلمات، نصلِّي لكي تنعم عليهم بنعمتك وسط الضعف. لتحلّ قوَّتك ومجدك على كنيستك المتألِّمة، بإسم يسوع آمين.

 

Keith Thomas

Email: keiththomas7@gmail.com

Website: www.groupbiblestudy.com

 

 

bottom of page